فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الحسن ويعقوب في رواية نبيكم بنون مفتوحة وباء مكسورة وياء مشددة بدل قوله: {بينكم} ظرفًا قراءة الجمهور.
قال صاحب اللوامح: وهو النبيّ عليه السلام على البدل من {الرسول} فإنما صار بدلًا لاختلاف تعريفهما باللام مع الإضافة، يعني أن الرسول معرفة باللام ونبيكم معرفة بالإضافة إلى الضمير فهو في رتبة العلم، فهو أكثر تعريفًا من ذي اللام فلا يصح النعت به على المذهب المشهور، لأن النعت يكون دون المنعوت أو مساويًا له في التعريف.
ثم قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يكون نعتًا لكونهما معرفتين انتهى.
وكأنه مناقض لما قرر من اختياره البدل وينبغي أن يجوز النعت لأن الرسول قد صار علمًا بالغلبة كالبيت للكعبة إذ ما جاء في القرآن والسنة من لفظ الرسول إنما يفهم منه أنه محمد صلى الله عليه وسلم، فإاذ كان كذلك فقد تساويا في التعريف.
ومعنى {يتسللون} ينصرفون قليلًا قليلًا عن الجماعة في خفية، ولواذ بعضهم ببعض أي هذا يلوذ بهذا وهذا بذاك بحيث يدور معه حيث دار استتارًا من الرسول.
وقال الحسن {لواذًا} فرارًا من الجهاد.
وقيل: في حفر الخندق ينصرف المنافقون بغير إذن ويستأذن المؤمنون إذا عرضت لهم حاجة.
وقال مجاهد لوذًا خلافًا.
وقال أيضًا {يتسللون} من الصف في القتال وقيل: {يتسللون} على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كتابه وعلى ذكره.
وانتصب {لواذًا} على أنه مصدر في موضع الحال أي متلاوذين، و{لواذًا} مصدر لاوذ صحت العين في الفعل فصحت في المصدر، ولو كان مصدر لاذ لكان لياذًا كقام قيامًا.
وقرأ يزيد بن قطيب {لواذًا} بفتح اللام، فاحتمل أن يكون مصدر لاذ ولم يقبل لأنه لا كسرة قبل الواو فهو كطاف طوافًا.
واحتمل أن يكون مصدر لاوذ وكانت فتحة اللام لأجل فتحة الواو وخالف يتعدى بنفسه تقول: خالفت أمر زيد وبالي تقول: خالفت إلى كذا فقوله: {عن أمره} ضمن خالف معنى صدّ وأعرض فعداه بعن.
وقال ابن عطية: معناه يقع خلافهم بعد أمره كما تقول كان المطر عن ريح و{عن} هي لما عدا الشيء.
وقال أبو عبيدة والأخفش {عن} زائدة أي {أمره} والظاهر أن الأمر بالحذر للوجوب وهو قول الجمهور، وأن الضمير في {أمره} عائد على الله.
وقيل على الرسول.
وقرىء يخلفّون بالتشديد أي يخلفون أنفسهم بعد أمره، والفتنة القتل قاله ابن عباس أيضًا أو بلاء قاله مجاهد، أو كفر قاله السدي ومقاتل، أو إسباغ النعم استدراجًا قاله الجراح، أو قسوة القلب عن معرفة المعروف والمنكر قاله الجنيد، أو طبع على القلوب قاله بعضهم.
وهذه الأقوال خرجت مخرج التمثيل لا الحصر وهي في الدنيا.
أو {عذاب أليم}.
قيل: عذاب الآخرة.
وقيل: هو القتل في الدنيا.
{ألا إن لله ما في السموات والأرض} هذا كالدلالة على قدرته تعالى عليهما وعلى المكلف فيما يعامله به من المجازاة من ثوابه وعقابه.
{قد يعلم ما أنتم عليه} أي من مخالفة أمر الله وأمر رسوله وفيه تهديد ووعيد، والظاهر أنه خطاب للمنافقين.
وقال الزمخشري: ادخل {قد} ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق، ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أن قد إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما، فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التنكير في نحو قوله:
فإن يمس مهجور الفناء فربما ** أقام به بعد الوفود وفود

ونحو من ذلك قول زهير:
أخي ثقة لا يهلك الخمر ماله ** ولكنه قد يهلك المال نائله

انتهى.
وكون قد إذا دخلت على المضارع أفادت التكثير قول بعض النحاة وليس بصحيح، وإنما التكثير مفهوم من سياقة الكلام في المدح والصحيح في رب إنها لتقليل الشيء أو تقليل نظيره فإن فهم تكثير فليس ذلك من رب.
ولا قد إنما هو من سياقه الكلام، وقد بين ذلك في علم النحو.
وقرأ الجمهور {يُرجعون} مبنيًا للمفعول.
وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو مبنيًا للفاعل.
والتفت من ضمير الخطاب في {أنتم} إلى ضمير الغيبة في {يرجعون} ويجوز أن يكون {ما أنتم عليه} خطابًا عامًا ويكون {يرجعون} للمنافقين.
والظاهر عطف {ويوم} على {ما أنتم عليه} فنصبه نصب المفعول.
قال ابن عطية: ويجوز أن يكون التقديم والعلم الظاهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون النصب على الظرف. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ}.
استئنافٌ مقرر لمضمون ما قبله والالتفاتُ لإبراز مزيدِ الاعتناءِ بشأنه أي لا تجعلُوا دعوتَه عليه الصلاة والسلام إيَّاكم في الاعتقاد والعملِ بها {كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أي لا تقيسُوا دعاءَه عليه الصَّلاة والسَّلام إيَّاكُم على دعاء بعضِكم بعضًا في حالٍ من الأحوال وأمرٍ من الأمور التي من جُملتها المساهلةُ فيه والرُّجوعُ عن مجلسه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بغير استئذانٍ فإنَّ ذلكَ من المحرَّماتِ وقيل: لا تجعلُوا دعاءَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ربَّه كدعاءِ صغيرِكم كبيرَكم يجيبه مرَّةً ويردُّه أُخرى فإنَّ دعاءَه مستجابٌ لا مردَّ له عند الله عزَّ وجلَّ وتقريرُ الجملةِ حينئذٍ لما قبلها أما من حيثُ إنَّ استجابتَه تعالى لدعائِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ممَّا يُوجب امتثالَهم بأوامره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ومتابعتَهم له في الورود والصُّدورِ أكملَ إيجابٍ وأما من حيثُ إنها موجبةٌ للاحتراز عن التَّعرض لسخطه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ المؤدِّي إلى ما يُوجبُ هلاكَهم من دعائه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عليهم، وأمَّا ما قيل من أنَّ المعنى لا تجعلُوا نداءَه عليه الصَّلاةُ والسلام كنداءِ بعضِكم بعضًا باسمِه ورفع الصَّوتِ والنِّداءِ من وراء الحجراتِ ولكن بلقبِه المعظَّم مثل: يا رسولَ الله يا نبيَّ الله، مع غايةِ التَّوقيرِ والتَّفخيمِ والتَّواضعِ وخفضِ الصَّوتِ فلا يناسب المقامَ فإن قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ} الخ، وعيدٌ لمخالفي أمرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فيما ذُكر من قبل فتوسيطُ ما ذكر بينهما ممَّا لا وجهَ له، والتَّسللُ الخروجُ من البين على التَّدريجِ والخفيةِ وقد للتَّحقيق كما أنَّ رُبَّ تجيء للتَّكثير حسبما بُيِّن في مطلع سورةِ الحجرِ أي يعلمُ الله الذين يخرجُون من الجماعة قليلاٌ قليلًا على خُفيةٍ {لِوَاذًا} أي مُلاوذةً بأن يستترَ بعضُهم ببعضٍ حتَّى يخرجَ أو بأن يلوذَ بمن يخرجُ بالإذنِ إراءةً أنَّه من أتباعِه. وقرئ بفتحِ اللاَّمِ وانتصابِه على الحاليةِ من ضمير يتسللون أي مُلاوذين أو على أنَّه مصدرٌ مؤكِّد لفعل مضمرٍ هو الحالُ في الحقيقة أي يلوذُون لِواذًا، والفاء في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} لترتيب الحذرِ أو الأمر به على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم فإنَّه ممَّا يُوجب الحذرَ ألبتةَ أي يخالفون أمرَه بترك مقتضاه ويذهبونَ سمتًا خلافَ سمتِه إما لتضمُّنه معنى الإعراضِ أو حملِه على معنى يصدُّون على أمره دُون المؤمنين من خالفَه عن الأمر إذا صدَّ عنه دونه، وحذفُ المفعولِ لما أنَّ المقصودَ بيانُ المُخالِفِ والمُخالَفَ عنه. والضَّميرُ لله تعالى لأنَّه الآمرُ حقيقةً أو للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّه المقصودُ بالذِّكر {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي محنةٌ في الدُّنيا {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الآخرةِ وكلمةُ أَوْ لمنع الخلوِّ دون الجمعِ وإعادة الفعلِ صريحًا للاعتناء بالتَّهديد والتَّحذيرِ واستُدلَّ به على أنَّ الأمرَ للإيجاب فإنَّ ترتيب العذابينِ على مخالفته كما يُعرب عنه التَّحذيرُ عن إصابتهما يوجبُ وجوبَ الامتثالِ به حتمًا.
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض}.
من الموجوداتِ بأسرِها خَلْقًا ومُلْكًا وتَصرُّفًا وإيجادًا وإعدَامًا بَدْءًا وإعادةً {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} أيُّها المُكلَّفون من الأحوالِ والأوضاعِ التي من جُملتها الموافقةُ والمخالفةُ والإخلاصُ والنِّفاقُ {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} عطفٌ على ما أنتُم عليه أي يعلمُ يومَ يُرجع المنافقون المخالفون للأمرِ إليه تعالى للجزاءِ والعقابِ وتعليقُ علمِه تعالى بيومِ رجوعِهم لا يرجعهم لزيادةِ تحقيق علمِه تعالى بذلك. وغايةُ تقريرِه لما أنَّ العلمَ بوقت وقوع الشيء مستلزمٌ للعلم بوقوعِه على أبلغِ وجهٍ وآكدِه وفيه إشعارٌ بأنَّ علمَه تعالى لنفسِ رجوعِهم من الظُّهور بحيثُ لا يحتاجُ إلى البيانِ قطعًا. ويجوزُ أن يكونَ الخطابُ أيضًا خاصًّا بالمنافقين على طريقةِ الالتفاتِ. وقرئ يَرجعون مبنيًّا للفاعلِ {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} من الأعمال السَّيئةِ التي من جُملتها مخالفةُ الأمر فيرتِّب عليه ما يليقُ به من التَّوبيخ والجزاء، وقد مرَّ وجهُ التَّعبيرِ عن الجزاء بالتنبئة في قوله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} الآيةَ {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} لا يعزبُ عنه مثقالُ ذَرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ سُورةَ النُّور أُعطي من الأجرِ عشرَ حسناتٍ بعددِ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ فيما مَضَى وفيما بَقِي» والله سبحانَهُ وتعالَى أعلمُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضًا}.
استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والالتفات لإبراز مزيد الاعتناء بشأنه أي لا تقيسوا دعاءه عليه الصلاة والسلام إياكم على دعاء بعضكم بعضًا في حال من الأحوال وأمر من الأمور التي من جملتها المساهلة فيه والرجوع عن مجلسه عليه الصلاة والسلام بغير استئذان فإن ذلك من المحرمات، وإلى نحو هذا ذهب أبو مسلم واختاره المبرد والقفال، وقيل المعنى لا تحسبوا دعاءه صلى الله عليه وسلم عليكم كدعاء بعضكم على بعض فتعرضوا لسخطه ودعائه عليكم عليه الصلاة والسلام بمخالفة أمره والرجوع عن مجلسه بغيره استئذان ونحو ذلك، وهو مأخوذ مما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروي عن الشعبي.
وتعقبه ابن عطية بأن لفظ الآية يدفع هذا المعنى، وكأنه أراد أن الظاهر عليه على بعض، وقيل: إنه يأباه {بَيْنِكُمْ} وهو في حيز المنع، وقيل: المعنى لا تجعلوا دعاءه عليه الصلاة والسلام ربه عز وجل كدعاء صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم يسأله حاجته فربما أجابه وربما ربده فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب لا مرد له عند الله عز وجل فتعرضوا لدعائه لكم بامتثال أمره واستئذانه عند الانصراف عنه إذا كنتم معه على أمر جامع وتحققوا قبول استغفاره لكم ولا تتعرضوا لدعائه عليكم بضد ذلك.
ولا يخفى وجه تقرير الجملة لماق بلها على هذين القولين؛ لكن بحث في دعوى أن جميع دعائه عليه الصلاة والسلام مستجاب بأنه قد صح أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى في أمته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه، وهو ظاهر في أنه قد يرد بعض دعائه عليه الصلاة والسلام.
وتعقب بأنه كيف يرد وقد قال الله تعالى: {ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وفي الحديث: «إن الله تعالى لا يرد دعاء المؤمن وإن تأخر» وقد قال الإمام السهيلي في الروض: الاستجابة أقسام إما تعجيل ما سأل أو أن يدخل له خير مما طلب أو يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير، وقد أعطى صلى الله عليه وسلم عوضًا من أن لا يذيق بعضهم بأس بعض الشفاعة وقال: «أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا الزلزال والفتن» كما في أبي داود فإذا كانت الفتنة سببًا لصرف عذاب الآخرة عن الأمة فلا يقال: ما أجاب دعاءه صلى الله عليه وسلم لأن عدم استجابته أن لا يعطى ما سأل أولًا يعوض عنه ما هو خير منه، والمراد بالمنع في الحديث منع ذلك بخصوصه لا عدم استجابة الدعاء بذلك بالمعنى المذكور، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله.
وقيل: المعنى لا تجعلوا نداءه عليه الصلاة والسلام وتسميته كنداء بعضكم بعضًا باسمه ورفع الصوت به والنداء وراء الحجرات ولكن بلقبه المعظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت.